جاءت وثيقة نقل السلطة في لحظة مفصلية أعادت تعريف شكل الشرعية وطبيعة الحكم ومسار الصراع في اليمن. أنهت فصلا مُنهكا من حكم الفرد، لكنها حتى اليوم، لم تفتح فصل الدولة.
أنهت الوثيقة حكم الرئيس الواحد، ونقلت كامل صلاحياته، بتفويض منه، إلى مجلس قيادة رئاسي يضم قوى متباينة سياسيا وعسكريا، على أمل توحيد معسكر الشرعية، إدارة المرحلة الانتقالية، وتهيئة الأرضية لتسوية شاملة.
اليوم الأحداث تتسارع سلبا تغيب فيها آليات واضحة لحسم الخلاف داخل مجلس القيادة الرئاسي، فتحول التوافق من أداة حكم إلى شرط تعطيل. ولم ينتج المجلس نموذج دولة أو رؤية حكم، بل اكتفى بإدارة أزمة مفتوحة. ومع غياب التخطيط وتباين الأجندات، انزلق التوافق إلى مسار انتهازي يخدم مصالح أطراف المجلس كل وفق حساباته الخاصة، لا وفق متطلبات بناء الدولة.
الاستمرار في التعامل مع الوثيقة بصيغتها الحالية يعني إطالة عمر الأزمة، وتكريس سلطة بلا قرار، وشرعية بلا دولة. وهو مسار لا يؤدي إلا إلى مزيد من التآكل المؤسسي، وانفلات القرار السيادي، وفتح المجال أمام قوى الأمر الواقع لتكريس نفوذها على حساب اليمن كوطن ودولة وصولا إلى مرحلة "قضي الأمر".
إن اللحظة الراهنة لا تحتمل التجميل ولا المراهنة على الوقت. فإما تحويل وثيقة نقل السلطة إلى عقد سياسي جامع ينهي ازدواج السلطة والسلاح، ويضع الدولة في صدارة القرار، أو الاعتراف الصريح بفشلها والبحث عن إطار جديد يعيد تعريف الشرعية ووظيفتها. ما دون ذلك فأن ما يحدث ليس انتقالا سياسيا، بل إدارة الأزمة نحو انهيار مؤكد.