حين تبلغ أوضاع اليمن مرحلة تستدعي أكثر من مجرد تسجيل موقف، يتخذ الموقف الحاسم، ويسارع الأوفياء من أشقاء اليمن إلى الإسهام في إطفاء الحرائق المشتعلة بيد بعض أبناء اليمن. وآخر الآيات ما شهدته محافظة حضرموت من مساعي تهدئة تقودها المملكة العربية السعودية، باعتبارها أقرب جيران اليمن وألصقهم به.
وبغية إطفاء هذا الحريق، يمد العقلاء من أبناء اليمن جسور التفاهم مع من لم يحرقها بعد. لأنهم يدركون أن ما يبدو معرضاً للانفجار يبقى قابلاً للاحتواء، بتعاون الجميع، وأن معالجة بعض المسائل تتطلب الأناة والتمهل الذي يسبق الإسراع إلى اقتناص الفرص وليس التسرع أو التردد الذي يبتكر تبديد الفرص ويبطل الإعلانات الإيجابية.
في بيان الدورة السادسة والأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المنامة «أكد المجلس الأعلى دعمه الكامل لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، والكيانات المساندة له لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن... والتوصل إلى ما يحفظ لليمن الشقيق سيادته ووحدته وسلامة أراضيه واستقلاله». وحددوا تلك الكيانات، خصوصاً التي تُسهم في مكافحة التهريب، المقاومة الوطنية مثلاً، وفي المقابل حددوا الكيانات غير المسانِدة، لا سيما الحوثيين بأفعالهم المهددة لأمن واستقرار المنطقة والاقتصاد العالمي. لكنهم تفاجأوا مع الناس جميعاً بما يوصف بـ«إجراءات أحادية» تجاه محافظة حضرموت.
هل يتقلص عدد الكيانات المسانِدة؟
لا ريب في أن إقدام أحد مكونات الشرعية بعد 7 أبريل (نيسان) 2022، المجلس الانتقالي الجنوبي، على تلك «الإجراءات الأحادية» بتعبير الرئيس العليمي أثناء لقائه السفراء رعاة العملية السياسية (8 ديسمبر/كانون الأول 2025)، يثير رفضاً جماعياً.
لا لأنَّها تجترح معجزة، بل كونها تجرح الصورة المفترض تكوينها عن مكونات الشرعية اليمنية في الوقت الراهن. فضلاً عن تأثيرها على كل الجهود الإيجابية المبذولة من قبل أبناء وأشقاء اليمن على حد سواء، منذ تعيين رئيس الحكومة سالم صالح بن بريك منتصف العام، أكان ما تقدمه الحكومة السعودية عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن أو الجانب الإماراتي أو الكويتي مع بقية دول مجلس التعاون، حسب تنويه بيان آخر دورات المجلس بهذه المساعدات الفعالة.
محافظ محافظة حضرموت المعين مؤخراً سالم الخنبشي في حديثٍ لقناة «الحدث» (4 ديسمبر الحالي) بعد إشادته بالمساعي السعودية والمطالبة بخروج القوات الوافدة من خارج المحافظة، أعلن أن أبناء المحافظة يطمحون إلى «حياة كريمة بغير منغصات». فعلاً، اليمن كله يريد «حياة بغير منغصات» ناجمة عن خطوات مترددة أو تقديرات خاطئة وحسابات متسرعة وتهور و«تدهورات» تسيء استغلال الحِلم وسعة الصدر الوطني والإقليمي.
استقرار المنطقة لا تحققه قلاقل واضطرابات التمادي في إجراءات أحادية تجاه المناطق الجنوبية والشرقية اليمنية. مراجعة أقرب الدروس في المحافظات الشمالية اليمنية تفيد من يراجع نفسه، ثم يتذكر أن من المتفق عليه أنه لم يعد مقبولاً الانفراد بحكم اليمن، والسيطرة عليه كاملاً وعلى أجزاء منه، وتقويض شرعية يتحمل مسؤوليتها الجميع، وإلا فلماذا هبت عواصف الحزم وإعادة الأمل منذ 2015، وتجري الوساطات الدولية والإقليمية لإنهاء «اليمننة: الأزمة اليمنية»؟
ثمة صيغ لم يتجاوزها الواقع -كما يقال- ولم تُجرب بعد -كما يجب- مثل «اليمن الاتحادي» -حتى غير الاتحادي- إذا ما استعيد استقرار اليمن بشكل تام، تحت ظل هذه الصيغ وبناءً على التوافق والتفاهم الصادق بين كل القوى الوطنية يتمكن أصحاب كل قضية وطنية يمنية من تهيئة الأجواء لتحقيق أغراضها وأهدافها. إذ لم يعد مقبولاً الإقصاء أو الضغط أو الفرض بالقوة وإخلال الموازين.
اليمن لجميع اليمنيين، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، لأن الجميع شركاء فيه، وفي حلول مشاكله. ومن بدا شريكاً مخالفاً بوحي آيديولوجيا وعقيدة معينة وأوهام سارية وجهل تاريخي فظيع، تلاحقه عصا العقوبات بمختلف أشكالها، كونه لم يفطن إلى عواقب مخالفة الدستور والقوانين، وتجاوز كل حدود التعامل والتعاطي.
الحكيم ينتفع بتجارب نفسه وتجارب غيره. وحتى لا تغره اللحظة طويلاً يُرجِع البصر كرتين في مآل المغرورين من قبل، وفي عواقب التسرع والتردد وتفويت الفرص ومغالطة النفس و«التآمر على الذات»، لئلا تتكرر المآلات المريرة بعد متعة قصيرة تضاعف «منغصات» اليمن والمنطقة.