مكالمة الرئيس علي عبدالله صالح والقيادي الفلسطيني أبو الوليد (خالد مشعل) التي تم تسريبها أمس؛ لم تكن إدانة للرجل كما أراد الحوثيون ومن وافقهم في هذا الرأي، بل كشفت بوضوح عن معدن نفيس من معادن الرجال، عز أن تجدهم في هذا الزمان الموحش الذي تصدّرت فيه المشهد قيادات الصدفة والمصالح، التي تقتات على الضجيج لا على المواقف، وغاب فيه منطق الدولة والحكمة.
كشفت عن رجل عظيم وعقل حكيم، ومنطق دولة وممارسة سياسية رصينة؛ تقدّم حقن الدماء على الشعارات، وتوازن بين حق المقاومة وواجب حماية المدنيين..
الدعوة إلى إيقاف الصواريخ في لحظة معينة لم تكن تخليا عن القضية، بل تحذير مبكر من استدراج المدنيين إلى مجازر يعرف العدو خرائطها وأهدافه مسبقاً، وهذا ما تم بعد ذلك..!!
اللافت أن هذا الخطاب الإنساني قدمه صالح كرأي سري خاص، أشبه بالنصيحة والموقف، رغم ان مواقفه المعلنة كانت ثابتة في دعم حماس سياسيا ومعنويا، بل وفتح لها مكتبا في صنعاء، واستقبل قياداتها وعائلاتهم في وقت أغلقت فيه عواصم عربية كثيرة أبوابها في وجوههم..
هذا الجمع بين الدعم العلني والنصيحة السرّية يعكس فهمه العميق لمعنى النصرة الحقيقية، حيث لاتُختزل في التصفيق والتهليل، بل في النصح الصادق، وتغليب أرواح الأبرياء وحقن دمائهم على حسابات المكاسب الآنية..
ما حاول الحوثيون تسويقه كوثيقة إدانة انقلب عليهم كما انقلب السحر على الساحر، ليعيد التذكير بأن السياسة ليست مزايدة، وأن المروءة ليست صخب إعلامي، وأن الدين لا يُختصر في الخطاب المتشنج، بل في الحرص على الإنسان قبل الحجر، فهو أقدس المقدسات على الأرض..
لقد أظهرت المكالمة أن نصرة القضية الفلسطينية لا تعني دفع شعب أعزل إلى المحرقة لاستثمار دمائهم ومصيرهم، بل تعني الجمع بين المبدأ والحكمة، وبين الشجاعة والمسؤولية..
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ.. رحمك الله يا علي عبدالله صالح، لم تفتقده اليمن فقط، بل فقدته قضايا الأمة الإسلامية والعربية، والمنابر السياسية الإقليمية والدولية..