آراء

القانون لا يسمع الترددات الرقمية

د. هبة العيدروس

|
قبل 9 ساعة و 32 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

في عالم يتغير بسرعة الضوء، لم تعد المخدرات شيئًا يُشمّ أو يُحقن، بل صارت تُسمع. إنها "المخدرات الرقمية"، ملفات صوتية تُباع على الإنترنت وتُروَّج كوسيلة لتغيير المزاج، عبر بث ترددات مختلفة في كل أذن تدفع الدماغ لإنتاج ذبذبات تُحدث تأثيرًا نفسيًا يشبه تأثير المخدرات التقليدية.
بدأت هذه الظاهرة في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، لكنها تتوسع اليوم بصمت، خاصة بين المراهقين والشباب الذين يبحثون عن تجارب جديدة في فضاء لا رقيب عليه. حيثُ تشير دراسة حديثة لجامعة البصرة 2025م إلى أن نسبة مستخدمي هذه الملفات بين الشباب العربي ارتفعت بنسبة 34% خلال (3) سنوات فقط، وهي نسبة تعكس حجم الخطر القادم. ويؤكد باحثون أن الفضول والفراغ النفسي والضغوط الاجتماعية تجعل الشباب أكثر عرضة لهذا النوع من “الإدمان الصامت”.
وهناك دراسة أخرى للمركز العربي للأبحاث 2024م، أوضحت أن 67% من المستخدمين يعانون من اضطرابات في النوم والتركيز وصداع مزمن، بينما ظهرت حالات هلوسة لدى نحو 18% منهم. ويحذر الأطباء من أن هذه الملفات، التي قد تفتح الباب أمام الإدمان الحقيقي، لأنها تكسر الحاجز النفسي بين التجربة الافتراضية والواقعية.
ورغم خطورة الظاهرة، إلا أن القوانين اليمنية والعربية عمومًا تقف عاجزة أمامها. فالقانون رقم (3) لسنة 1993، الذي ينظم مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، لا يتضمن أي نص يتحدث عن المؤثرات الرقمية، لأن تلك التكنولوجيا لم تكن موجودة آنذاك، ولم يتم تطوير هذا القانون حتى اليوم. وهكذا تبقى هذه الملفات خارج نطاق التجريم والعقاب، إذ لا يمكن ملاحقة من يروّج أو يستخدم ملفًا صوتيًا عبر الإنترنت إلا بتكييف قانوني معقّد قد يندرج تحت مظلة جرائم تقنية المعلومات.
إن الفراغ التشريعي في اليمن يترك مساحة واسعة لتفشي هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الناتجة عن التقدم التقني والتكنولوجي دون رادع.
وفي هذا السياق، بدأت بعض الدول بالتحرك مثل: عمّان التي ناقشت تعديل تعريف المؤثرات العقلية ليشمل الترددات الصوتية، أبوظبي أصدرت تحذيرات رسمية عام 2023م، والرياض أطلقت حملة توعوية واسعة تحت شعار "احذر الملف القاتل". لكن ما زال غياب التشريع الصريح يجعل المواجهة جزئية وضعيفة أمام ظاهرة عابرة للحدود.
فلم يعد الصمت خيارًا أمام خطر المخدرات الرقمية، فالدولة مطالَبة بتحديث تشريعاتها لتشمل هذا النوع من المؤثرات العقلية، وسَنّ نصوص قانونية تجرّم إنتاجها وترويجها واستخدامها، مع تمكين الجهات المختصة من حجب المواقع المروّجة، وإنشاء وحدات متخصصة في الإدمان الرقمي ضمن أجهزة الأمن والعدالة.
وفي المقابل، يتحمل المجتمع مسؤوليته في الوقاية عبر وعي الأسرة ومتابعتها الذكية لأولادها، وإدماج التثقيف الرقمي في المناهج المدرسية. كما أن الإعلام يقع على عاتقه دور نشر التوعية بلغة متزنة ومسؤولة تحمي وعي الشباب بصورة مبكرة.
إن المخدرات الرقمية ليست خُرافة ولا تجربة صوتية بريئة، بل هي واقع يهدد وعي جيل بأكمله. فحين يصمت القانون، تتكلم الترددات، وحين تتأخر الدولة، يتسرب الخطر إلى كل منزل بسماعة صغيرة وملف واحد فقط.
د. هبة عيـدروس

 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية