محلي

استيراد وبيع المشتقات النفطية! الفساد الكبير؟

أ.د. عبدالوهاب العوج

|
قبل 4 ساعة و 53 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

نناقش في هذا المقال قرار السماح للتجار باستيراد وبيع المشتقات النفطية وتغييب الشركة اليمنية للنفط، وآثار ذلك على الاقتصاد اليمني وانهيار قيمة الريال، ثم ننتقل إلى تحديد المستفيدين المحتملين، ولماذا لم تعد مصفاة عدن للعمل حتى الآن.

أولًا: خلفية القرار

منذ اندلاع الحرب عام 2015 وتفكك مؤسسات الدولة، شهدت منظومة استيراد وتوزيع المشتقات النفطية تحوّلًا جذريًا. فقد تم:

السماح للتجار والمستوردين من القطاع الخاص باستيراد وبيع المشتقات النفطية مباشرة من الخارج دون رقابة فاعلة.

تجريد الشركة اليمنية للنفط – وهي الجهة الرسمية المناط بها هذا الدور – من سلطتها الرقابية والتنظيمية تدريجيًا، سواء في صنعاء أو عدن.

هذا التغيير لم يكن مجرد "إجراء اقتصادي"، بل نُفّذ بغطاء سياسي ضمن سياق السيطرة والنفوذ والولاءات (تقرير مركز صنعاء، 2020؛ ديب روت، 2022).

ثانيًا: نتائج تغييب الشركة اليمنية للنفط

1. فوضى سوق النفط:
تحول السوق إلى فضاء مفتوح أمام قلة من التجار المحسوبين على مراكز قوى عسكرية وسياسية.

اختفت آليات التسعير المركزية، وتحول السوق إلى ساحة مضاربة لا تخضع لأي رقابة مؤسسية (ACAPS، 2021).

2. احتكار واستغلال:
احتكر نافذون كبار سوق الاستيراد، وفرضوا أسعارًا تضاعفت مرات عدة، مستغلين غياب المنافسة، بينما ذهبت كميات كبيرة من الشحنات إلى السوق السوداء تحت إشراف أمراء الحرب و حيتان الفساد  (فريق الخبراء – مجلس الأمن، 2020–2023).

3. تآكل الإيرادات العامة:
توقفت الدولة عن جني أي دخل من قطاع كان يدرّ عليها مئات الملايين من الدولارات، بعد أن خرج الوقود من تحت إدارة الشركة الوطنية إلى السوق الخاصة (البنك المركزي اليمني – عدن، 2022).

4. إضعاف سيادة الدولة:
أفقد هذا القرار الدولة سيطرتها على قطاع سيادي، ما أضعف موقعها المالي والسياسي على السواء (تقرير معهد الشرق الأوسط، 2023).

ثالثًا: الآثار الاقتصادية الكارثية

1. انهيار العملة الوطنية:
بسبب شراء الوقود بالدولار من السوق السوداء، تضاعف الضغط على العملة الأجنبية، مما أدى إلى موجات متتالية من انهيار الريال (تقارير البنك المركزي اليمني، 2020–2023؛ صندوق النقد الدولي، 2021).

2. تضخم شامل:
ارتفعت أسعار النقل والسلع والخدمات والدواء والغذاء، بفعل انفلات أسعار المشتقات النفطية (تقرير "ديب روت"، 2022).

3. تعزيز الاقتصاد الموازي:
تشكلت شبكات سوداء لتهريب الوقود وغسيل الأموال، ما جعل الاقتصاد غير الرسمي يتفوق حجمًا وتأثيرًا على الاقتصاد الرسمي (فريق الخبراء – الأمم المتحدة، 2022).

رابعًا: من المستفيد؟

1. شبكات المصالح المرتبطة بالوقود:
في الشمال: نافذون مرتبطون بقيادة جماعة الحوثي يسيطرون على شركات استيراد للنفط الايراني المهرب عبر واجهات وشركات تتبع الحرس الثوري الإيراني.

في الجنوب: شخصيات وفصائل مرتبطة بالحكومة الشرعية والتحالف تتحكم في المنافذ البرية والبحرية (تقرير مركز صنعاء، 2020؛ ACLED، 2022).

2. القطاع المالي غير الرسمي:
شركات الصرافة تستفيد من المضاربة وشراء الدولار بكميات ضخمة، وتُستخدم عوائد الوقود في غسيل الأموال وتمويل أنشطة غير مشروعة (فريق خبراء مجلس الأمن، 2021).

3. التحالف الإقليمي (ضمنيًا):
بعض القوى الإقليمية تستفيد من الفوضى المؤسسية اليمنية التي تمنحها مساحة نفوذ واسعة دون أن تتحمل التزامات إعادة الإعمار (تقرير معهد بروكنجز، 2021).

خامسًا: أين مصفاة عدن؟ ولماذا لا تعمل؟

رغم توقف المعارك في عدن منذ سنوات، لم تعد مصفاة عدن ( و التي انشأتها الشركة البريطانية للنفط في خمسينيات القرن الماضي أثناء الاحتلال البريطاني BP Co
.) وعادت
إلى العمل، وكانت هذه المصفاة تعتمد على الخام المحلي بعد تحقيق الوحدة اليمنية 1990م ومن عدة قطاعات إنتاجية وطنية، أهمها:

القطاع 18 – صافر (محافظة مأرب)

القطاع 5 – جنة (محافظة شبوة)

القطاع 14 والقطاع 10 – المسيلة (حضرموت)

ورغم استمرار العمل جزئيًا في مصفاة مأرب، إلا أن إنتاجها محدود ومحلي، ولا يغطي السوق الوطنية (وزارة النفط اليمنية، 2021).

غياب الإرادة السياسية لتشغيل مصفاة عدن سببه تعارضها مع مصالح لوبي الاستيراد الذين يجنون أرباحًا خيالية من السوق المفتوحة. كما أن تعهدات بإعادة تأهيلها من قبل شركاء دوليين لم تُنفذ حتى الآن (تقرير البنك الدولي، 2023؛ وزارة النفط – عدن، 2022).

سادسًا: خلاصة تحليلية:

تحوّل استيراد وبيع النفط من وظيفة سيادية إلى نشاط ريعي في يد أمراء الحرب والتجار، وساهم في تفكيك الاقتصاد اليمني وتحويله إلى اقتصاد حرب.

تغييب الشركة اليمنية للنفط ومصفاة عدن لم يكن محض إهمال، بل استراتيجية متعمدة لتقاسم الريع النفطي بين مراكز النفوذ.

المواطن هو الضحية الأكبر، حيث يدفع الثمن مضاعفًا:
من خلال انهيار العملة،
وتضخم الأسعار،
وانعدام الخدمات الأساسية.

إن استعادة الدولة سيطرتها على قطاع المشتقات يبدأ بإعادة تشغيل مصفاة عدن، وتنظيم سوق الاستيراد، وتفعيل الرقابة المركزية.

وحتى يتحقق ذلك، ستظل فوضى الوقود وقودًا لاستدامة الانهيار و إن بقاء الوضع الحالي يخدم أجندة الحرب، ولا يمكن الخروج من هذه الحلقة إلا بإرادة سيادية حقيقية تعيد الاعتبار للوظيفة الاقتصادية للدولة.
 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية