أنا - وبصراحة - قد أتفهم تخبط العامة وبعض الناشطين وعدم قدرتهم على استيعاب ما حصل، ولكن لا يمكن أن أتفهم تخبط بعض الساسة وقيادة الدولة والاحزاب والجماعات السياسية والايدلوجية وأيضاً الباحثين ومستشاري المنظمات الدولية؛ فكل ما نراه من التحليلات والآراء والتوقعات نجدها تمتاز بالسطحية وعدمية النضج ولا تكاد ترتقي إلى مستوى وعي سياسي يؤهل صاحبه لأن يكون في موقعه ومنصبه الحالي. وهذا بالطبع ليس في جانب الشرعية وحسب ولكن أيضاً لدى المجلس الإنتقالي والحوثي ومختلف مراكز القوى المحلية والإقليمية كذلك.
تنتاب العامة من الناس حالة من الوعي الوقتي أو اللحظي الذي لا يُدق ناقوسه إلا حين تظهر النتائج الفادحة لتقاعسهم الدائم عن الاسهام بفاعلية في الحياة السياسية في البلد وحينها فقط تنتفض ضمائرهم وبقايا عقولهم للملمة الجراح والآهات في محاولة لردم فجوة الأحداث وربطها ببعضها بشكل منطقي أو غير منطقي لخلق منطقة نفسية آمنة لهم من خلال إنشأ فقاعة من الوعي يخدعون بها أنفسهم ويخبرون أنفسهم إنهم حاولوا بجل جهودهم أن يصنعوا المستحيل لتفادي ما حدث ويقومون بالقى اللوم على هذا الطرف أو ذاك في محاولة أخرى لإتقان الحيلة وتجنب تأنيب الضمير ولكن ما تلبث بعدها أن تخبوا جذوة ضمائرهم حتى تعود مع بقايا عقولهم لسباتهم العميق في غياهب السلبية ولعن الظلام.
ذاك فيما يخص وضع العامة من الناس، أما صناع القرار وأصحاب الرأي فلا أجد المعطيات المناسبة التي تمكني من فهم الأسباب التي تدفعهم لاستفراغ هذا الكم الهائل من الرعونة السياسية! هل هي مرحلة اضطرارية من مخاضهم المفتعل لدمج أنفسهم في الوضع الجديد وخلق حيز من المنافع الجديدة لدى الطرف المنتصر أم إنها فرصة ذهبية لتوسعة دائرة المنافع والتدرج تصاعدياً في هرم السلطة والحضوة مع الطرف الحالي؟ أم إنها محاولة لإنقاذ السمعة - السيئة أصلاً - أمام عامة الناس الذين لا ينفكون أن يتلقفوا كل هذا الاستفراغ بافواه مشدوقة وتشخص ابصارهم بما يرون وتشنف اذانهم بما يسمعون من إرهاصات السقوط والصعود المتسارع للانتهازيين بين ظرفي الخصام؟!!!!!!! ! (علامات تعجب إلى ما لا نهاية)