تعود الذكرى السنوية لـ الثاني من ديسمبر، حاملة معها وجع اللحظة التاريخية لاستشهاد الزعيم اليمني الأسبق، ورئيس المؤتمر الشعبي العام، علي عبد الله صالح، ورفيق دربه الأمين العام للحزب، عارف عوض الزوكا. إنها ذكرى ليست مجرد تأريخ لحدث دموي، بل هي استذكار لـ "انتفاضة" أخيرة، اختار فيها الزعيم صالح أن يواجه مصيره بقرار يُعيده إلى خندق "الجمهورية" و"المقاومة" ضد المشروع الحوثي في قلب العاصمة.
ثورة من قلب الحصار شكلت الأيام الممتدة من 28 نوفمبر إلى 4 ديسمبر 2017 واحدة من أعنف المواجهات الداخلية في تاريخ اليمن الحديث. أعلن الزعيم صالح الثورة و"انتفاضة الكرامة".
كانت الخطوات الأولى لـ "صالح" وأنصاره موفقة في السيطرة على عدد من المقار الحيوية والمؤسسات الأمنية في صنعاء، مُستندين إلى دعم شعبي متزايد يرفض التماهي مع المشروع الإمامي. وقد جسّدت هذه اللحظة ذروة التحدي والكاريزما القيادية لصالح، الذي آثر مخاطبة الشعب مباشرة من داخل المربع المحاصر، مُعلنًا موقفه الحاسم بالثورة على مليشيات الحوثي.
ورغم العروض والتحذيرات الدولية التي أشارت إلى إمكانية خروجه الآمن من صنعاء، إلا أن الزعيم صالح اختار البقاء، ليخوض معركة وصفها المراقبون بأنها "معركة الخاتمة المشرفة". لقد كان القرار تجسيدًا لإرادة زعيم رفض أن يغادر عاصمة حكمه إلا مقاومًا.
وفي صباح الرابع من ديسمبر 2017، وبينما كان الزعيم صالح يحاول الخروج من صنعاء باتجاه سنحان (مسقط رأسه) بعد تفجير منزله والاشتباكات العنيفة، اعترضت عناصر مسلحة من الحوثيين موكبه في منطقة سنحان أو خولان، حيث استُشهد هو ورفيق دربه عارف الزوكا، الأمين العام لحزب المؤتمر.
كان عارف الزوكا، بصفته الأمين العام، رمزًا للوفاء والتنظيم، حيث فضل البقاء بجوار قائده في أحلك الظروف حتى اللحظة الأخيرة. وقد حوّلت تضحيتهما المشتركة استشهادهما إلى رمز ثنائي لتضحية القائد والرفيق، والقائد والحزب، وهو ما زاد من الأثر المعنوي للحادثة.
أعادت "ثورة ديسمبر" تعريف المعركة في اليمن، حيث وحّدت الرؤى الوطنية حول ضرورة مواجهة المشروع الحوثي، بغض النظر عن الانتماءات السياسية السابقة.
ينظر الكثير من اليمنيين إلى قرار صالح خوض القتال حتى الاستشهاد على أنه "درس في الشجاعة الوطنية" يجسد عدم التنازل عن مبادئ الجمهورية، وهو ما يتناقض مع فكرة الاستسلام أو الخضوع.
تُعتبر هذه الذكرى محطة سنوية لتجديد العهد على المضي قدماً في استعادة الدولة والجمهورية، حيث أقيمت الفعاليات في مناطق سيطرة الشرعية والمقاومة الوطنية، مستلهمة من إقدام الزعيم والامين.
لقد تحولت تلك المواجهة إلى إلهام للأجيال، مُرسخة مفهوم أن القضايا الوطنية العظمى تتطلب تضحيات جسام، وأن قادة الأوطان يجب أن يختاروا خاتمة تليق بحجم الزعامة في سبيل كرامة شعوبهم.