آراء

استعمار عصري بذات الجشع القديم (1-2)

جميل العمراني

|
12:00 2023/12/05
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

قرأت مؤخرا منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي، شبه كاتبه الوضع في المنطقة العربية برقعة شطرنج تلعب أمريكا عليها بالأبيض والأسود معا، بينما بقية ما ومن يتواجد في المنطقة من دول وأنظمة وقيادات وجماعات مجرد بيادق ومربعات منقسمة على الأبيض والأسود.. وقد وافق هذا التمثيل تقريبا قراءتي أو نظرتي تجاه واقع المنطقة وما يدور ويتعاقب داخلها من الأحداث والمتغيرات والمواقف والاحتراسات والتحركات الممعنة في الحذر والحسابات.

كان تمثيلا ذكيا للغاية من وجهة نظر قارئ يقف في المنتصف من كل شيء وينظر إلى الأحداث والمواقف المتشابكة والمتداخلة.. فقط مع وجهة نظر أو إضافة شخصية كان وما يزال لدي تحفظ أو تعديل بسيط، وإن كان لا يحيد بالفكرة عن وجهتها وعموميتها.. وذلك حول اللاعبين اللذين يجلسان على طرفي اللعبة ويحركان بيادقها، فأمريكا من وجهة نظر ربما ليست شخصية، وإنما من فكرة تبدر تارة هنا وتارة هناك من قبل محللين وباحثين سياسيين ليست لاعبا وحيدا، بل ولم يكن لها أن تكون لاعبا من الأساس في المنطقة، لو لم تكن بريطانيا رهن التواجد والحضور..

وبعودة سريعة للتاريخ يدرك المتتبع للحقب الزمنية، أن المنطقة كاملة تقريبا كانت مطوية في إبط هذه العجوز التي لا يحدث حدث ملم في أقطار هذه البقعة، إلا ونراها قد أطلا برأسها تتلفت كالعابر المتلفت والمندهش، بينما تثبت الحقائق المصاحبة أو اللاحقة، أن خيوط ذلك الحدث أو المتغير تنبعث من رأس وعقل تلك العجوز البشعة التي كانت على رأس دول الاستعمار في كل أنحاء الأرض، وظلت لقرون تتعامل مع منطثتنا وكأنها ملكية خاصة بها، حتى مع انطواء صفحات الاستعمار المظلمة..

وإذا سايرنا بعض التوصيفات القديمة والجديدة فإن أمريكا مع عظم شأنها في الوقت المعاصر فإنها لا تتجاوز كونها في مقام الحفيدة البارة لهذه الجدة البشعة التي أورثت لها صفات كثيرة ليس أولها الطموح غير المشروع في سيادة العالم، ولا آخرها الطمع والرغبة في الاستيلاء على مقدرات وثروات الشعوب الأخرى، دون حتى التفكير في أنه قد تكون هناك أية اعتبارات وجودية واستحقاقية أو حتى أخلاقية..

نعم نكذب على أنفسنا إن قلنا أن الاستعمار قد ولى وأنه لم يعد إلا مجرد ذكرى لأزمنة غابرة.. فما نزال اليوم نعيشه بتتابع وتتال منتظم لتلك الأزمنة التي نصفها بالغابرة.. ولكنه اليوم استعمار عصري، يتم فيه تقاسمنا نحن وأوطاننا ومقدراتنا وثرواتنا بطرق عصرية تمثلت في صور تحالفات وصداقات وعلاقات دولية توصف في الغالب بالمتبادلة، إلا أنها في العادة تدار من طرف واحد تقف فيه دائما الجدة المورثة بريطانيا والحفيدة الوارثة أمريكا.

كابر الكثير من المثقفين والمفكرين سياسيا ودوليا حتى من العرب أنفسهم، هذه الفكرة منذ زمن طويل، وكثيرا ما شنوا حملاتهم المضادة لها على اعتبار أننا أصبحنا في عصر تجاوز مثل هذه الأفكار الرجعية، ولكن تلك الكثرة سريعا ما كانت الأحداث والتقلبات السياسية تجعلها تتراجع وتتضاءل، وقد وصلت في السنوات الأخيرة إلى أدنى حدودها، واقتربت بشكل كبير من الصفر مع أحداث الحرب الإسرائيلية على غزة...

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية