آراء

الاستراتيجية الوطنية لحماية الطفل في اليمن

منى علي سالم البان

|
قبل 2 ساعة و 32 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خطوة مهمة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحماية الطفل 2026‑2029، لتكون خارطة طريق شاملة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. هذه المبادرة تمثل التزام الوزارة بدورها الوطني في وضع مصالح الطفل على سلم الأولويات، وهي بلا شك خطوة تستحق الإشادة، إذ تعكس وعياً حكومياً بضرورة حماية الأطفال الأكثر ضعفًا وتأثيرًا في المجتمع.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل هذه الكلمات والإجراءات على الورق يمكن أن تتحول إلى واقع ملموس يغير حياة الطفل اليمني اليوم؟ فالأطفال يعيشون يوميًا في بيئة مليئة بالمخاطر، حيث الفقر المتفشي، والصراعات المسلحة، وانهيار الخدمات الأساسية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال، والتجنيد، والعمل المبكر، والتسول.

ركزت الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية تمثل الإطار العام للحماية والتمكين:

1. الوقاية والاستجابة: حماية الأطفال من جميع أشكال العنف، والعمل القسري، والتجنيد.

2. تعزيز التعليم المستمر: منع التسرب المدرسي وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومستدامة لجميع الأطفال.

3. الحماية الاجتماعية: دعم الأطفال الأكثر ضعفًا، بما في ذلك الأيتام، أطفال الشوارع، وأطفال الأسر الفقيرة، عبر برامج شاملة للتغذية، الصحة، والرعاية الاجتماعية.

4. بناء القدرات والشراكات: إشراك المجتمع المدني والأسرة لضمان حماية الأطفال وتعزيز وعي المجتمع بحقوق الطفل.

هذه المحاور تمثل في النظرية خارطة طريق واضحة وشاملة، لكنها تحتاج إلى إجراءات عملية قوية لتنفيذها على الأرض.الا ان الواقع يختلف كثيرًا عن الخطط النظرية:

المدارس مهدده دائما بالاغلاق واضراب المعلمين. ، بسبب الانهيار الاقتصادي وانقطاع المرتبات الذي جعل المعلمين غير قادرين على مواصلة التدريس، مما يزيد من التسرب المدرسي.

الأطفال معرضون للاستغلال: الفقر يجعل الأطفال يعملون مبكرًا لدعم أسرهم، ويصبحون عرضة للتجنيد في النزاعات المسلحة، أو للوقوع ضحايا للتسول والعمل القسري.

غياب الحماية القانونية الفعّالة: الأطفال لا يحصلون على حماية قانونية حقيقية، وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي محدودة وغير مستمرة.

ولكي تصبح الاستراتيجية أكثر من مجرد نصوص على الورق، يحتاج الطفل اليمني إلى:

1. مدارس تظل مفتوحة ومعلمون برواتب مستمرة: لضمان استمرار التعليم ومنع التسرب المبكر.

2. حماية فعلية من الاستغلال والتجنيد - في مناطق سيطره المليشيات الحوثيه - والعمل القسري: توفير آليات رقابية فعّالة لتطبيق القوانين وحماية الأطفال.واشير هنا الى اهم اتفاقيات العمل الدوليه اتفاقيه رقم 182 والاتفاقيه رقم 138 التي صدقت عليها اليمن متذو عقود مضت ولم تفي الدوله بالتزامات تطبيقها .

3. دعم نفسي واجتماعي مستدام: برامج طويلة الأمد لإعادة تأهيل الأطفال الذين تعرضوا للعنف أو التجنيد.

4. برامج إعادة دمج الأطفال وأسرهم: لتوفير بيئة آمنة تمكن الأطفال من العودة إلى الحياة الطبيعية والمجتمع.

بدون هذه الأساسيات، تبقى الاستراتيجية مجرد وعود، والطفل اليمني يدفع الثمن يوميًا في الشارع.

 فجوات الاستراتيجية الوطنية لحماية الطفل.

رغم وضوح محاور الاستراتيجية وأهدافها، إلا أنها تواجه فجوات كبيرة على الأرض، يمكن تلخيصها في أربعة مجالات:

1. فجوات التغطية الجغرافية والفئات المستهدفة

عدم قدرة البرامج على الوصول إلى مناطق النزاع والأكثر تهميشًا.

إقصاء الأطفال العاملين في الشوارع أو المشردين أو النازحين من بعض البرامج.

2. فجوات التنفيذ والموارد.

نقص التمويل المستدام لتشغيل المدارس ودفع الرواتب وبرامج الدعم الاجتماعي.

ضعف البنية التحتية والكوادر البشرية، بما في ذلك الأخصائيون الاجتماعيون والمعلمون المتخصصون.

غياب آليات متابعة ورقابة فعّالة لضمان تنفيذ الاستراتيجية وتحقيق النتائج على الأرض.

3. فجوات الحماية القانونية والدعم النفسي والاجتماعي

القوانين الوطنية لحماية الطفل، رغم تبنيها لاتفاقيات العمل الدولية وقانون حقوق الطفل رقم 45 لعام 2004

محدودية برامج الدعم النفسي والاجتماعي وإعادة التأهيل للأطفال المتضررين من العنف أو التجنيد.

4. فجوات الشراكات والمجتمع المدني.

ضعف التنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني لتنفيذ البرامج المشتركة بفعالية.

عدم إشراك الأسر والمجتمع المحلي بفاعلية في حماية الأطفال ودعمهم.

** ان الإعلان عن الاستراتيجية خطوة إيجابية تستحق الثناء، لكنها لا تتحقق إلا إذا ترافق مع إجراءات ملموسة على الأرض ، كاستمرار التعليم، دفع الرواتب للمعلمين، حماية الأطفال قانونيًا، دعم نفسي واجتماعي مستدام، وبرامج إعادة دمج الأطفال المتضررين.

ان حماية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع الدولي والمجتمع المحلي، لضمان أن تتحول الاستراتيجية من كلمات على الورق إلى حياة حقيقية للطفل اليمني.

ختاما ...

تثير الاستراتيجية الحالية تساؤلات حول قدرتها على الوصول إلى الأطفال في مناطق النزاع والأكثر تهميشًا، وحماية الأطفال العاملين في الشوارع أو المشردين. كما يظل التمويل المستدام، ودعم التعليم، وتقوية القدرات البشرية والمرافق التعليمية والاجتماعية تحديًا أساسيًا لتنفيذها على أرض الواقع. كما تبرز الحاجة إلى آليات رقابة فعّالة، وتطبيق القوانين لحماية الأطفال من التجنيد والعمل القسري والعنف، فضلاً عن كفاية برامج الدعم النفسي والاجتماعي لإعادة دمج الأطفال المتضررين.

وأخيرًا، يبقى تعزيز الشراكات بين الحكومة والمجتمع المدني وإشراك الأسر والمجتمع المحلي عاملًا حاسمًا لضمان شمولية وفاعلية الاستراتيجية.

 

كتب /

منى البان

ناشطة حقوقية

 

17 نوفمبر 2025


 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية