في 3 يونيو تمر 14 عاما على أحد أكثر الأحداث دمويةً وتأثيرًا في التاريخ السياسي اليمني المعاصر: جريمة استهداف مسجد دار الرئاسة في صنعاء، والتي وقعت يوم الجمعة الموافق 3 يونيو 2011، أثناء أداء رئيس الجمهورية الزعيم علي عبد الله صالح وكبار مسؤولي الدولة لصلاة الجمعة.
ذلك الهجوم الذي وصفه اليمنيون ومراقبون محليون ودوليون بـ"جريمة القرن"، لم يكن مجرد حادث إرهابي عابر، بل لحظة مفصلية مهّدت لتحولات عميقة في المشهد اليمني، وساهمت في تفكيك بنية الدولة ودفع البلاد نحو حالة من الانقسام والفوضى والصراع الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
وقعت الجريمة في مسجد يقع داخل مجمع دار الرئاسة، في وقت كانت البلاد تعيش على وقع تصاعد التوترات بفعل فوضى الساحات، وفي أثناء أداء المصلين لصلاة الجمعة، دوى انفجار هائل داخل المسجد، أدى إلى استشهاد ثلاثة عشر من المسؤولين والجنود، وإصابة أكثر من مائتي شخص، بينهم رئيس الجمهورية نفسه، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشورى، وعدد من كبار الضباط.
من بين الشهداء كان رئيس مجلس الشورى الأسبق عبد العزيز عبدالغني، الذي تُوفي متأثرًا بإصاباته بعد أسابيع من الحادثة، وهو أحد أبرز الشخصيات السياسية التي واكبت مراحل بناء الدولة اليمنية الحديثة.
سارع مجلس الأمن الدولي إلى إدانة الهجوم، واعتبره "جريمة إرهابية" تهدف إلى تقويض مؤسسات الدولة الشرعية، محذرًا من تداعياته الكارثية على وحدة اليمن واستقراره. كما عبّرت العديد من العواصم الإقليمية والدولية عن صدمتها من طبيعة الجريمة ومكانها وتوقيتها، معتبرةً أنها تمثل نقلة خطيرة في مسار الصراع السياسي الداخلي.
ورغم فداحة الجريمة وتوثيق تفاصيلها بدقة، فإن ملف التحقيق لا يزال معلّقًا، وهو ما يثير تساؤلات مستمرة حول الأسباب الحقيقية وراء التستر على الجناة.
يقول حقوقيون إن جريمة دار الرئاسة تندرج ضمن قائمة الجرائم الجسيمة التي لا تسقط بالتقادم، ويؤكدون أن ملاحقة المتورطين فيها واجب وطني وإنساني لا يقبل المساومة، باعتبار أن استهداف قيادة الدولة داخل مسجد كان يمثل محاولة ممنهجة لنسف الدولة من جذورها، وليس فقط اغتيال أفراد.
لا تزال أسر الشهداء والجرحى تطالب بكشف الحقيقة كاملة، وإنصاف ذويهم عبر محاكمة الجناة أمام القضاء، بعيدًا عن الحسابات السياسية والصفقات التي حالت دون فتح الملف لسنوات.
تُعيد هذه الذكرى التأكيد على أن اليمن لا يمكن أن يتعافى دون عدالة، وأن استمرار الإفلات من العقاب في الجرائم الكبرى مثل جريمة دار الرئاسة، يُكرّس ثقافة العنف ويُضعف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها.
إن استعادة المسار الوطني، كما يرى مراقبون، يمر عبر الحقيقة والعدالة، لا عبر التسويات الغامضة التي تطيح بالحقوق وتفتح أبوابًا جديدة للدمار.