من أهم وأخطر الملفات التي يهتم بها الغرب في رسم سياسات المنطقة العربية، والتي يبني عليها مع ملفات أساسية أخرى، استراتيجيات تواجده في هذه المنطقة التي صارت موبوءة بتواجده ومطامعه، ملف مصر، وهي الدولة العربية التي كانت تشكل واحدة من أبرز واجهات ووجاهات المنطقة، على امتداد حقب طويلة من الزمن.
أضف إلى ذلك ما يتصف به الشعب المصري من قومية عربية عالية المستوى، والجيش المصري من قوة وولاء، وقد كان أهم الجيوش التي مثلت عائقاً وعقبة كبيرة أمام اسرائيل ربيبة الغرب..
وعلى ذلك الأساس ومن تلك المنطلقات فقد عمل الغرب جاهدا على إزاحة مصر من واجهة المنطقة كدولة قائدة قوية في حضورها وقوميتها وجيشها، والمتابع لن يخفى عليه أبداً ما شهدته مصر في السنوات الأخيرة من ضغوط اقتصادية وسياسية وتهديدات استراتيجية عالية الأهمية، ربما لحظناها مؤخراً على سبيل استحضار المثال في الحرب على غزة، الحرب التي لا يمكن بأي حال أن يتقبل عاقل كونها مجرد حرب على غزة وحسب، وإنما هي مفتتحاً لمشاريع إقليمية تستهدف منطقة العرب وأنظمتها وشعوبها، ولعله من نافل القول أو غني عن الإشارة ملفات أخرى فتحت مؤخراً في وجه مصر كملف سد النهضة وتلغيم الحدود الغربية مع ليبيا، والجنوبية مع السودان والشمالية مع غزة والشرقية الآن مع أحداث البحر الأحمر، و... و... و...
ولعل هذا الأخير من أكثر المفات التي تثير الاستغراب وتزرع التعجب بالفعل..!! لأنه مرتبط بهدف استراتيجي كبير يتمثل في قناة السويس.. وحين نتحدث عن قناة السويس، فإننا ندرك أننا نتحدث عن واحد من أهم شئون المصريين شعبا ودولة، باعتبار هذه القناة مصدراً أساسياً من مصادر دخل المصريين الذين يواجهون مشكلات اقتصادية في الوقت الراهن، وصلت حتى إلى انهيار قيمة الجنيه المصري، ووصوله إلى حد بات يثير مخاوف كبيرة ليس في وجوه الاقتصاديين المصريين وحسب، وإنما حتى لدى عامة الشعب المصري، الذي لم تعد أعين أبنائه تفارق أنباء العملة وبيانات ومنحنيات صعود وانخفاض سعرها..!!
والأمر المثير حقاً والذي تزدحم على ضفافه غابة من التساؤلات وعلامات التعجب والحيرة اليوم، هو موقف الدولة المصرية أو بالأصح رد فعلها اليوم تجاه ما يجري تحديداً في البحر الأحمر من مشكلات وأزمات مفتعلة، تقف وراءها دون أدنى شك دول غربية في مقدمتها أمريكا وبريطانيا..!! فهو رد فعل في الحقيقة يبدو من الظاهر والخفي أنه مرتبط بتوجهات تحاول وضع المنطقة برمتها وبما في ذلك مصر، تحت تصرف الاستراتيجيات المعلن عنها وغير المعلن عنها في سياسات الغرب تجاه المنطقة.
إن ما تعانيه أو تواجهه مصر العروبة أو رأس حربة العرب، إذا ناسبت التسمية، من ضغوطات ومن عمليات فتح لملفات متفرقة ومتنوعة اليوم هنا وهناك من قبل الغرب، يؤكد أولاً على أهمية مصر الكبيرة في المنطقة، وعلى أن هناك خشية كبيرة من اعتراضها أو وقوفها حجر عثرة لمشاريع الغرب التي تستهدف المنطقة، ولذا فإن الاستعمار الجديد يحاول تكتيف مصر وتحييد مواقفها القومية، بل وإزاحتها من خط المواجهة، من خلال شغلها بقضايا وملفات تمثل تهديدات متنوعة معلقة، لتقف على الأقل في مناطق الحياد من كل ما يجري من عبث ومخططات استهدافية، لم يسلم منها عدد من دول المنطقة، ولن يستطيع تجنبها والنجاة من الأثر السلبي لها العدد المتبقي من هذه الدول، مهما حاولت إقناع نفسها أنها بمعزل عنها.