آراء

جنيرالات على قارعة الطريق

الدكتور سعيد الفقيه

|
03:15 2023/05/18
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

ظواهر ومشاهد وأحزان باكية ومبكية يرويها وضعنا الراهن الذي أبتلينا به من يوم فقدنا القيادة وزمام المبادرة، شبابة في شفاة الريح تنتحب، وفق وصف شاعرنا الكبير عبدالله البردوني الذي شبه حالنا بالشبابة، ورأى  مالم نراه منذ زمن بعيد، وحتى عندما كنا رجالًا نحتقر الحادثات الكبار إذا اعترضتنا بأتعابها، كما رآنا شاعر اليمن الثائر محمد محمود الزبيري، ربما اليوم لا مجال للنواح والبكاء على الأطلال، فنحن على شفا أن نفقد كل شيء، إن لم نكن قد فقدنا كل شيء في لحظة فارقة وفاصلة في تاريخنا المعاصر، لحظة (الحيرة)كما شخصها السياسي اليمني المخضرم د.ياسين سعيد نعمان، هذه الحيرة التي يبدو أننا لن نفيق منها إلا وقد فقدنا كل شيء، ربما تكون سكرة الموت، والعياذ بالله، (وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) هل حقًا فشل مشروعنا الحضاري المعاصر؟ أم هي انتكاسة؟ أو هزيمة؟ لعلنا نكابر بعدم الاعتراف بها، والاعتراف بالحقائق وإن كانت مرة بعد تحليل أسبابها والتسليم بها أهون من مكابرة تؤدي بالوطن إلى الهلاك، والذي أصبح عبارة عن غابة مليئة بالوحوش الهصورة المفترسة، التي لا يردعها دين ولا تهديها مواعظ وقواعد أخلاق أو إنسانية، سوى مطامع الشر المستطير وإن كانت ضحاياه أمم وشعوب مجتمعة فالأرض ملؤها بشر ينبغي تقنين وجودهم  _ وفق رؤآهم المجنونة.

وماذا بعد ؟
  ربما خلجات وحشرجات الكلمات وأنينها في الصدور قد بلغت مداها وتخومها النهائية، وحيث ما بعد ذلك من صمت يكون عار، كما رآه شاعرنا الكبير د.عبد العزيز المقالح حينما قال: الصمت عار
من نحن عشاق النهار  
والذي ودعنا بغصة ألم وكلمات مدوية،حينما كتب واصفًا حاله المشؤوم والميؤوس مودعًا قبل الموت قائلًا: أنا  ليس لي وطن أفاخر باسمه
وأقول حين أراه فليحيا الوطن
 باعوه للمستثمرين وللصوص وللحروب
ومشت على أشلائه زمر المناصب والمذاهب والفتن.

وماذا بعد ؟
حسنًا سوف أجيب وربما ليس بنفس سياق قول شاعرنا الكبير عبدالله البردوني الذي وقف عند حيرة السؤال فقال:
يدمي السؤال حياء حين نسأله
ولكن اليوم السؤال لا يدمي حياء بل خزيًا وعارًا أن ينهار وطن وجنيرالاته على قارعة الطريق يبيعون القات ويقودون حافلات الركاب ليقتاتون لقمة العيش في أفضل الأحوال، بدلًا من قيادة القوات لحماية سيادة الوطن وعزة وحرية وكرامة المواطن المقهور المشرد المبتلي بكافة صنوف  العذاب، القتل، الجوع، الفقر، المرض، ضيق الحال وقلة الحيلة، في وطن هو الأجمل والأغنى والأعرق بين شعوب بلدان المنطقة، وليس فقط الجنيرالات الذين يبكي الزمن مآسيهم وخذلانهم؛ بل كافة ضحايا الحرب المكلومين، فمنهم من قد قضى نحبه كمدًا وقهرًا وحسرة، ومنهم من ينتظر مصيره ودوره إلى المجهول، ومنهم من ركب الظاهرة بطلًا متوجًا بأكاليل المال الحرام والدماء البريئة.. ومنهم من أسقط أركان الدولة المهترئة في وطن جريح لايقوى على الصد والمقاومة في لحظة تاريخية فارقة من الوهن والمناكفة ولعبة البيادق المتحركة على رقعة الشطرنج والجماجم  البشرية المتناثرة التي تشهد على مغامرات غير محسوبة متخلية عن كل شيء له سمة بالإنسانية والوطنية وقيم الشهامة والعزة والنخوة والاعتداد بالنفس وبالتاريخ والجغرافيا والوشائج والتراحم والشفقة (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون) صدق الله العظيم.

وماذا بعد؟
 نعم، ما زالت بقلبي ألف مبكيات ومضحكات من شر البلاء وتزاحم الأضداد والأعداء وضياع وفقدان الأمل.
"ما تزال بحلقي ألف مبكية من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمنا نحسو ونحتلب" رحم الله شاعرنا الكبير عبدالله البردوني الذي وصف حالنا حينئذ بهذه الكلمات البليغة.

وماذا بعد أيضًا؟
لا شيء أصدقائي الأعزاء سوى أن أختم خاطرتي بقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.

فهل من صحوة  قبل فوات الأوان؟ وهل من أمل يلوح من وراء الأكمة والتخوم والأفق البعيدة؟ نأمل ذلك، وفقا لمقولة (تفاءلوا بالخير تجدوه) وسوف نتفاءل بالخير ونطلبه حتى لو كان في  السماء، عند الرفيق الأعلى، حيث هناك لا ظلم ولا خداع، بل خلود  وراحة أبدية ملؤها رضا الرحمن وجنة  عرضها السموات والأرض.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية