آراء

اليمن والسعودية .. من يضحك أخيرا يضحك كثيرا

محمد العولقي

|
12:58 2019/09/13
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook
 
الإرادة في كرة القدم يمكنها أن تصنع الفارق، يمكنها أن تذل عزيزاً وتجعل منه دمية في مهب الريح، هذه الحقيقة ترجمها المنتخب اليمني على أرضية  ملعب البحرين الوطني، في الليلة الكبيرة التي نصبت الأحمر اليماني كبيراً في الليلة السعودية الظلماء*
 
اختلف كثيراً مع المحلل السعودي واللاعب الهلالي السابق فيصل بو ثنين، في تحليله لما حدث للمنتخب السعودي المدجج بكل الإمكانيات البشرية والمادية  والتاريخية..فقد أرجع سبب التعادل إلى سوء أداء المنتخب السعودي
 
الحقيقة التي تجاهلها  بو ثنين أن المنتخب اليمني كان هو مصدر المتعة طوال المباراة، كان المتحكم  في مقدرات اللقاء دون أن يهمل مدربه الحاذق الكابتن سامي نعاش التفاصيل الصغيرة التي غيبها المنتخب السعودي دون سبب تكتيكي واضح.
 
إزدان استاد البحرين الوطني بأضواء حمراء صاخبة وأصبحت مدرجات الملعب  تغلي بجماهير فرضت عليها الظروف أن تتحمل تبعات اللاعب رقم واحد، وتحت خيمة حمراء أقام المنتخب اليمني لجاره السعودي مهرجاناً للمتعة وللأهداف التي  تدرس، أشعل المنتخب اليمني نارا، استأنس بها ثم جعل منها إبهاراً يروي ظمأ جماهير يمنية متعطشة منذ 29 عاما لتسجيل نتيجة جيدة على حساب الجار الأخضر المتسلح بأرقام التاريخ وكتب الأرشفة.
 
حقيقة، منتخب اليمن الذي يتنفس منذ سنوات من مسامات خارج أرضه تظلمه  ظروفه القاسية، ويظلمه عشاقه في بلاده المنكوبة حروبا واقتتالا، ويظلمه ذوو القربى، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، باعتراف المهند والحسام إلى آخر  مصفوفات السيوف التي تلمع
 
في مباراة اليمن والسعودية خالف منتخب اليمن كل تشاؤم المتطيرين، ظهر في البحرين حيويا يمتلك كل أدوات الحذق والإقناع، ولولا هفوتان صغيرتان من  الشاب الظهير الأيسر مفيد جمال، وتوقيت خاطئ من الحارس العملاق سالم عوض لما توصل السعوديون إلى التعادل، حتى لو مددت المباراة لشهر أو يزيد..
 
كسب المنتخب السعودي صاحب الأداء المخيب نقطة سوداء لا يستحقها بفضل  أدائه القاتم، وخسر المنتخب اليمني نقطتين، فقد كان الأحق بوليمة النقاط  الثلاث كاملة، لولا أنه لم يكن طماعا أو نهما كما هو الحال مع السيد أشعب.
 
أضاع منتخب اليمن فوزا مريحا، بدأ في متناول اليد، والأكثر مرارة أن منتخب اليمن فرط في فوز كبير كان مستحقا قياسا للسيطرة التكتيكية شبة الكاملة.
 
*هدفان من مجرة يمنية مدهشة*
 
من تحت الأنقاض ومخلفات الركام، ظهر المهاجم اليمني القوي محسن قراوي  كشاعر ينظم قصيدة رثاء على وفاة خط الدفاع السعودي، كرة هوائية طائرة من  خلف منتصف الملعب يرسلها المدافع مدير عبدربه، تسافر دون رقيب، تحلق في عمق منطقة الجزاء، ومن وضع متطرف صعب وزاوية مغلقة مستحيلة..
يدور المهاجم محسن قراوي على عقبيه كراقص باليه، يفتح يديه ليمنح جسده  التوازن المطلوب، يلف يسارا، يتقرفص قليلا، ثم يضع المدافع السعودي معتز  هوساوي في جيبه، وبرشاقة غزال يطير بلعبة خلفية (باك ورد)، تسقط خلف الحارس السعودي المندهش عبدالله معيوف، هدف سينمائي كالومضة من النوع الذي عجز عن تسجيله كبار لاعبي العالم، هدف تاريخي في تصوري أنه هدف العام، بموجبه يستحق محسن قراوي جائزة الفيفا لأفضل هدف هذا العام.
 
محسن قراوي عندما سجل المنتخب السعودي هدف التعديل مع منتصف الشوط  الأول، من خطأ أو هفوة يتيمة من الظهير اليمني الأيسر مفيد جمال، استغلها المهاجم هتان باهبري دون عناء، في هذا التوقيت كان المهاجم اليمني الصاعد الواعد عمر الداحي يفكر في كيفية توظيف مهاراته الفردية لمداهمة الدفاع السعودي (المخضوض) دائما، وقلب الطاولة مجددا بحيث يضع المنتخب السعودي في  عنق الزجاجة اليمنية..
 
تحين الفرصة مع الدقائق العشر الأخيرة لهذا الشوط و من وضعية متطرفة في  اليسار يستنجد الداحي بكل مهاراته، يقتحم ويناور، يلهو بالكرة كقط سيامي  جميل، فجأة يموه يخدع الظهير السعودي الأيمن ياسر الشهراني، ينسل بشيطنة  حمراء، ومن زاوية مغلقة تماما يسدد الداحي في نفس الزاوية قوية زغردت في مرمى المعيوف بكل روعة و ذكاء.
 
في الشوط الثاني كاد هجوم المنتخب السعودي يصاب بالسكتة القلبية، ويعلن  إفلاسه أمام دفاع يمني حوله سامي نعاش إلىخرم إبرة لكن هفوة بسيطة من  الحارس العملاق سالم عوض، مهدت الطريق أمام سالم الدوسري لتسجيل هدف التعادل غير المستحق، كان يتوجب على سالم إبعاد الكرة إلى الطرف وليس إلى العمق.
 
*واقعية النعاش دمرت الحس التكتيكي السعودي*
 
ترى ما هي الوصفة التكتيكية التي استحضرها الكابتن سامي نعاش، لأجل كسر جناح الصقور السعودية الجارحة..؟
 
كيف ألغى النعاش استراتيجية الفرنسي هيرفي رونار مدرب المنتخب السعودي  .. كيف حنط كل الملكات الفنية الخضراء، وكأنه قادم من أعماق فراعنة  أمنحوتب..؟
 
ما هي الوصفة السحرية التي وظفها سامي نعاش استدعت الهدهد اليماني ليأتي من سبأ بالنبأ اليقين ..؟
 
لفك كل تلك الاستفهاميات، علينا الإبحار في مفكرة سامي نعاش، خصوصاً وقد  أجرى أربعة تعديلات على المنتخب، بعد الأداء المضطرب تكتيكيا أمام منتخب  سنغافورة، وهو لقاء خارج الديار عرف نتيجة التعادل بهدفين لهدفين.
 
راهن سامي نعاش على مراقبة البناء السعودي مع تشديد الحراسة اللصيقة على حامل الكرة، كانت هذه الفلسفة محاولة لخنق فرديات المنتخب السعودي  الممتازة، ظل سامي وفيا لنهجه الذي يخدم إمكانات لاعبيه الفنية والبدنية،  تأسس أسلوبه على اللعب الدفاعي والمرتد الهجومي، أو لنقل البناء الهجومي  المباغت كما يفضل فرسان الحذق التدريبي تسميته.
 
طرح سامي نعاش معادلته التكتيكية المشروعة في الملعب، ثم ترك الفرنسي  هيرفي رونار يبحث عن نفسه وعن فك شفرة تلك المعادلة ك،ان خيار مدرب اليمن  أمام تقنية السعوديين هو النهج الدفاعي في الظاهر، لكنه في الواقع كان  يتحايل كثيرا على خصمه في الباطن، عندما اتخذ من البناء الهجومي الخاطف  بكرات عميقة من الخلف أو المباغتة من وسط ميدان متأخر يضمن الزيادة العددية  في منطقة الدفاع السعودية.
اعتنق سامي نعاش شاكلة 4/4/2 ل،كنه كان يتحايل عندما تتحول الشاكلة من أسلوب التوازن إلى أسلوب الطوفان الهجومي.
 
هل كانت مغامرة ومقامرة من النعاش عندما منح شاكلته امتدادا فنيا وهو يمارس بخبث الثعالب شاكلة 4/2/3/1 ..؟
 
فوجئ المنتخب السعودي، أو لنقل صعق عندما اكتشف أن كل ممرات الوسط تختنق  وتئن تحت وطأة مناطق جمركية حمراء للتفتيش و،كان رمانة منتخب السعودية  سلمان الفرج هو أول من فقد مزاجه، أول من انزعج لهذه الجمركة التي كانت  أقرب إلى متاهة الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، ولم يعد يمتلك  القدرة على توجيه اللعب كما يفعل دائما رفقة فريقه الكبير الهلال السعودي.
 
كانت مفاجأة المباراة التي لم يحسب لها السعوديون حسابا تكمن في مفكرة  النعاش نفسها، فهو يمارس تقنية جديدة أكثر واقعية وأكثر فعالية وأكثر  مجازفة، ولعل هذا العارض التكتيكي حرم المنتخب السعودي من تدفقه الهجومي  الصارخ.
 
اعتمد مدرب اليمن على إغلاق المنافذ الدفاعية، وجند كل كتيبة الوسط للعراكية واستعادة الكرة مع تدمير بناءات الأخضر الهجومية.
تأملوا معي:
في حراسة المرمى سالم عوض، هذا الحارس المخضرم اكتشف نفسه من جديد، ولعل  بصمات مدرب حراس اليمن كابتن المنتخب سابقا معاذ عبد الخالق بدت واضحة على  تركيز سالم وعلى رباطة جأشه في أصعب الظروف.
 
ثم لعب النعاش برباعي دفاعي أسمنتي مكون من القلبين أحمد الصادق ومدير  عبدربه، وفي اليمين علاء نعمان القوي بدنيا وفي اليسار مفيد جمال الحيوي  فنيا.
 
ولجأ النعاش إلى تسييج الوسط بمحورين دفاعيين ناصر محمدوه و عماد منصور،  ثم الطرفين عمر الدحي الفنان الذي أطرب المنامة بعزفه المنفرد يمينا،  وأحمد السروري المهاري الذي يحسن الامتداد والارتداد بليونة مزدوجة.
 
ووضع النعاش لاعبه الحرباء المتلون عبدالوسع المطري في حالة طوارئ في  العمق، فهو أحيانا يكون مهاجما ثانيا، وأحيانا لاعب وسط متقدم يشل كل  تجليات خط وسط المنتخب السعودي.
 
أما المحارب السبئي محسن قراوي خريج مدرسة نادي شمسان، فقد كان تموضعه  مهاجما كليا دون تقييد حركته، لهذا عانى الدفاع السعودي من مشاغباته، في  حين قضى الثنائي الدفاعي البليهي وهوساوي أمسية مضنية رفقة قراوي، والذي  كان صداعا مزمنا لكل الدفاع السعودي المرتبك.
 
درس تكتيكي بالغ الغرابة..
 
قفزت إلى رأسي كل علامات الدهشة والاستغراب وأنا أتأمل تموضعات لاعبي  اليمن، ثم اتسعت عيناي في دهشة حين اكتشفت أن النعاش ملأ خط الوسط بعناصر  ذات نزعة هجومية.
 
ولعل أكبر مشكلة في طرح مدرب اليمن أنه حول المهاجم عماد منصور من شاعر رومانسي إلى محارب أسبرطي في خط الوسط الدفاعي.
 
إذا كان الكابتن سامي نعاش قد لقن مدرب المنتخب السعودي درسا تكتيكيا  بالغ الغرابة، فلأنه مدرب يهزأ من التخصصات والتموضعات، فهو المدرب  الجواهرجي الذي يستطيع تطويع كل عناصره، وسبكها في مفهوم تكتيكي يخدم  البناء الفني وليس العكس.
 
كان المنتخب السعودي يختنق في الوسط ثم يغرق في شبر ماء هجوميا، فطوال  المباراة لم نسجل للمنتخب السعودي فرصا حقيقية ذات دلالة تكتيكية عدا  محاولات بائسة تصدى لها الحارس اليمني الكبير سالم عوض.
كان سامي نعاش محقا وذكيا لأبعد الحدود عندما ضحى بهجومية عماد منصور ،  ثم رسم له بالمسطرة والفرجار دورا تكتيكيا في وسط الميدان، كانت المفاجأة  أن سامي قدم لنا عماد منصور على أنه جلاد محارب مهمته إيقاف تحركات النجم  السعودي سالم الدوسري.
 
ولأجل خنق اللعب وحرمان المنتخب السعودي من اللعب بحرية اشتعلت معركة  الحراسة الفردية في المباراة، كان الهجوم السعودي دائما تحت مقصلة الدفاع  اليمني، وكان خط الوسط ينزعج لكل هذه الجمركة اليمنية التي غيبت الأقمار  السعودية في ليلة المنامة الظلماء.
 
ملاحظة تكتيكية مهمة..
 
أتصور أن منتخب اليمن وضع قدميه على الطريق الصحيح، فمع ثورة التغيير  التي أحدثها سامي نعاش في مختلف الخطوط يحق للجمهور اليمني أن يستعيد  ابتسامة غابت عنه طويلا.
 
فهذا المنتخب الذي يقطر حيوية وشبابا يمكنه مصالحة الجمهور اليمني  المتيم بكرة القدم، فقط مطلوب من اتحاد الكرة بقيادة الشيخ أحمد العيسي  رئيس الاتحاد وضع الخطط والبرامج لضمان الجاهزية، ولعله من المناسب أن  يستمر المنتخب في معسكره بالمملكة العربية السعودية حتى تحين مواعيد  الجولتين القادمتين الشهر القادم .
 
هناك معضلة تكتيكية يجب أن يتنبه لها سامي نعاش تتعلق بالجهة اليسرى في  وسط الملعب، من المناسب جدا أن يبدأ عبدالوسع المطري من البداية في هذه  الجهة، ومن الحكمة الاعتماد على أحمد السروري كورقة تكتيكية رابحة تخدم  البناء الفني عندما يحتاج المنتخب إلى الطراوة البدنية، لأن إشراك اللاعبين  معا يؤدي إلى تضارب في المهام، فيحدث ما يسمى بالارتجاج التكتيكي والذي  يتسبب غالبا في شرخ في الشاكلة الفنية.
هذه مجرد ملاحظة من رجل فني له دراسات عميقة في كشف فحوى الشاكلات لضمان  استمرار منسوبها البدني والفني، والتوفيق دائما من عند الله سبحانه  وتعالى.
 
أخيرا من الواجب لفت نظر المعلق السعودي المتألق عبدالله الحربي إلى أن  المنتخب اليمني الجنوبي فاز مرتين على المنتخب السعودي، الأولى في بطولة  كأس فلسطين بتونس عام 1975 بهدف رأسي جميل للأسطورة أبو بكر الماس،  والثانية في الدورة العربية بسوريا عام 1976 بهدف من إمضاء القطار السريع  جميل سيف، يمكن للحربي سؤال الحارس أحمد عيد عن هاتين المواجهتين بدلا من  الاجتهاد الذي هضم حقا لا يغفله التاريخ ..!
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية