منذ عام 1979م أدركت طهران أن القضية الفلسطينية تمثل المفتاح الأوسع ؛ لاختراق الوجدان العربي والإسلامي ؛ فتبنت شعار تحرير القدس ، ورفعت راية العداء لأمريكا وإسرائيل ؛ لتقدم نفسها كقائد جديد لمحور المقاومة في مواجهة ما تروج له من استسلام عربي ؛ بهذا الخطاب الثوري العاطفي نجحت إيران في كسب بعض التعاطف الشعبي العربي ، وتجاوزت حاجز المذهب واللغة والقومية ؛ لتتسلل إلى عمق التيارات القومية واليسارية والإسلامية على حد سواء .
للأسف استطاعت طهران عبر خطاب مواجهة قوى الاستكبار العالمي ، ومصطلحات مقاومة الإميريالية أن تبني لنفسها جسرا سياسيا وثقافيا وفكريا مع حركات تقدمية قومية عربية كحزب البعث العربي في سوريا ، الذي حكمها لعقود حتى غدت طهران في سوريا جزءا من الخطاب السياسي للدولة السورية البعثية رغم طابعها الفارسي المذهبي .
أما في الساحة الإسلامية فقد وجدت إيران في حماس والجهاد الإسلامي بوابة للنفاذ إلى الحركات الإسلامية السياسية ؛ حيث رفعت شعار الوحدة الإسلامية لتحرير فلسطين ، مستخدمة فلسطين بوابة للتأثير الأيديولوجي التدريجي والتمدد السياسي والعسكري خارج فلسطين ، ناهيك عن سعي طهران إلى فرض رؤيتها لمفهوم المقاومة باعتباره محورا بقيادتها ، وليس عملا وطنيا عربيا مستقلا ، وهو ما أدخل حركات المقاومة الإسلامية في أزمة ولاء مع العمق العربي .
بهذا الأسلوب حوّلت إيران القضية الفلسطينية من قضية تحرر عربي إلى أداة نفوذ مذهبي وسياسي ، تستثمرها لبناء محور يمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق وصنعاء ، نجحت إيران في زرع انقسام عميق داخل الصفين العربي والإسلامي ، وأضعفت القضية الفلسطينية ذاتها بتحويلها إلى ورقة مساومة إقليمية .
غطت إيران أهدافها الطائفية بالقضية الفلسطينية واستخدمتها جسرا للتغلغل في الجسد العربي ، ومبررا لتمدد مشروعها الطائفي ، وهكذا تحول شعار المقاومة إلى أداة لاختراق الأمة العربية من داخلها وأصبح الخطر اليوم لا يأتي من إسرائيل وحدها ، بل من توظيف إيران للقضية الفلسطينية لتفكيك الكيان العربي من الداخل تحت لافتة العداء لإسرائيل وأمريكا.
عبدالواسع الفاتكي