اقتصاد

هل يهدد ترامب عرش الدولار كعملة عالمية؟

فايننشال تايمز

|
قبل 8 ساعة و 36 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

في عام 1271 انطلق ماركو بولو من مدينة البندقية في رحلة إلى الصين للقاء حاكم المغول، قوبلاي خان، في الصين. 

وبعد أربع سنوات من الترحال، بلغ «كاثاي» (الاسم القديم للصين) فاستقبل بحفاوة من قبل الخان، وعينه سفيراً إلى الهند وميانمار، كما خدم بمناصب عدة في آسيا مدة 17 عاماً.

وتزخر سجلات رحلات بولو بملاحظات عدة على تطور الصين مقارنة بأوروبا، خصوصاً في استخدامها للعملات الورقية. فقد كان الصينيون يعالجون لحاء أشجار التوت وتستخدم كأوراق نقدية بديلة عن الذهب والفضة.

ورأى الإيطالي المتشكك هذا الابتكار وكأنه شيء أقرب إلى السحر، وأشار إلى أن أي تاجر كان يرفض قبول أموال الخان كان يواجه الإعدام، ما يجعل الأمر أقل سحراً بكثير.

في أغلب الأحيان، نتعامل بالنقود دون أن نفكر كثيراً في ماهيتها، أو حتى نضطر إلى قبولها. رغم ذلك، هناك لحظات تتسلل فيها الشكوك. واليوم، قد تلاحظون ازدياد القلق في وسائل الإعلام بشأن عملة التجارة العالمية، الدولار الأمريكي.

القلق الأكبر بشأن العملات هو مدى قدرتها على الحفاظ على قيمتها. هذا أمر أساسي لقبولها. وسهولة طباعة الحكومات لمزيد من العملات قد تكون أمراً خطيراً.

ولأن النقود كانت تنمو حرفياً على الأشجار، كان بإمكان قوبلاي خان ببساطة زراعة المزيد منها. بالتالي انخفضت قيمة نقود اللحاء، وتعلم شعبه تحديات التضخم.

ورغم ثقتنا بصفة عامة في مبدأ النقود، إلا أن عدداً قليلاً من العملات تمكن خلال القرن الماضي من إقناع المدخرين على مستوى العالم بأنه سيحتفظ بقيمته. وكان الاستثناء الكبير هو الدولار الأمريكي، ولهذا السبب تربع على عرش التجارة العالمية طوال 75 عاماً.

فهل سيشوه دونالد ترامب هذه السمعة ويضر بمكانتها؟ إنه يجرب القيام بذلك بالتأكيد. فقد انخفض الدولار بنسبة 10% أمام غالبية العملات الأخرى هذا العام.

ومن المعروف أن إضعاف الدولار جزء من سياسة ترامب، ورغم أن الأمر غير مألوف لزعيم يميني، ورغم أنه يفاقم فقر الأمريكيين قياساً مع اليورو، والين الياباني، واليوان الصيني.

إلا أن ترامب يرى أن تعزيز تنافسية التصدير مسألة أكثر أهمية. هل يهم هذا الأمر المستثمرين؟ توجد أسباب تدفعهم إلى الشعور بالقلق، فقد شهدنا تراجع الدولار تزامناً مع ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل.

وربما تتسبب التعليقات الإعلامية في قلق المستثمرين في الأسهم وسندات الخزانة الأمريكية (الدين الحكومي الأمريكي). وهذا ينطبق على معظمنا.

وهنا تكمن المشكلة. فمشروع قانون ترامب الكبير القبيح (عفواً، الجميل)، سيزيد كثيراً من حجم الاقتراض الأمريكي ولن يضيف الكثير إلى الإيرادات الضريبية. لذا، سيكون لدى الحكومة الأمريكية الكثير من السندات التي ستطرحها، إلا أن خطورتها آخذة في الازدياد.

كما توجد مشكلة تلوح في الأفق فيما يتعلق بالبند 899 من مشروع قانون الضرائب الأجنبية غير العادل.

تهدد هذه المادة بفرض رسوم على حاملي الأصول الأمريكية في الخارج، وتشمل هذه الأصول أذونات الخزانة. ويرقى هذا الأمر إلى تخلف طفيف عن سداد الالتزامات.

وقامت وكالات التصنيف الائتماني أخيراً بتخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة. ولا يتوقع أحد أن الولايات المتحدة ستتخلف عن سداد التزاماتها، لكنك إذا أضفت تأثير البند 899 إلى انخفاض الدولار والتضخم الناجم عن التعريفات الجمركية، فسيحصل حاملو السندات على مستحقاتهم، لكن بأقل من قيمتها الحقيقية.

هل يمكن لعملات أخرى أن تحل محل الدولار؟ في أوروبا، كان المارك الألماني ينظر إليه على أنه «قوي»، أما اليورو فلم ينجح في اكتساب هذه السمعة.

وتؤمن كريستين لاغارد، رئيسة المصرف المركزي الأوروبي، بأن اليورو لديه إمكانية التمتع بدور أكثر أهمية في التجارة العالمية. أما الفرنك السويسري، فما زال يحظى بالاحترام.

وفي عام 2005، تخلت بكين عن نهج التحكم في قيمة اليوان أمام الدولار إلى التحكم في قيمته باستخدام سلة عملات.

وقد أشار خبراء الاقتصاد لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى ازدياد دور اليوان في التجارة الدولية، ومن المرجح أن يواصل هذا الدور نموه.

لكن يبدو من غير المرجح، لبعض الوقت، أن تتمكن أياً من هذه العملات من تحدي الدولار، نظراً لاتساع وعمق وانتشار الهياكل المالية المقومة بالدولار.

وهذا يبدد بعض المخاوف. لكن من المؤكد، أن سمعة العملة التي تعتبر مخزناً للقيمة ستتضرر بلا شك من السياسات الاقتصادية غير المنضبطة. والعملة الضعيفة ستردع المستثمرين العالميين عن شراء السندات.

وهناك مخاوف من أن الأحداث الأخيرة ستؤدي إلى تقليل شراء بكين للديون الأمريكية، ما قد يكون مشكلة كبيرة، بالنظر إلى حجم الديون المطلوب إصدارها.

وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع هائل للعائد الذي يتوجب على الولايات المتحدة أن تدفعه لاجتذاب الاستثمارات، ما يشكل عاملاً يدفع إلى انخفاض قيمة سندات الخزانة التي تم إصدارها بالفعل.

لذا فمن غير المستغرب أن يخفض العديد من المستثمرين طويلي حجم أصولهم بالدولار. وتعد المخاطر المرتبطة بالعملة أحد الأسباب وراء ذلك، غير أن هناك مخاوف أيضاً من أن الإدارات الأمريكية لم تعد ترغب في اتباع القواعد. ويعد تخلي المستثمرين عن الأصول الأمريكية مقابل نظيراتها الصينية دلالة مهمة عندما يتعلق الأمر بالحوكمة والثقة.

وهناك أيضاً تصور، أن الأسهم الأمريكية لا ينبغي أن تمثل 70% من المؤشر العالمي، خصوصاً عندما تبدو تقييماتها مرتفعة نسبياً. وتعد التقييمات حجة أكثر قوة بالنسبة لي لإعادة التوازن لمحافظ الأسهم بعيداً عن الولايات المتحدة.

لكن لا يجب أن تكون المخاوف بشأن العملة عاملاً شديد التأثير عند اتخاذ القرار. فعندما تشتري سهم شركة عالمية، مثل «مايكروسوفت»، فإنك تدفع بالعملة التي أدرجت بها الشركة، لكن القيمة طويلة الأجل للسهم تعتمد على التدفقات النقدية التي تحققها الشركة بعملات عدة. لذا، يمكنك ترك إدارة مخاطر العملة للشركة.

سُكت أول عملة ورقية في أوروبا عام 1716، أي بعد 400 عام أو نحو ذلك من عودة ماركو بولو إلى البندقية.

وسك جون لو، الإسكتلندي المتمرد، العملات الورقية في فرنسا. وعندما فطن الفرنسيون إلى أن هذه العملات الورقية ليست مدعومة كلياً بأي من المعادن النفيسة، سرعان ما تبع ذلك وقوع أزمة مصرفية، وارتفع التضخم.

التاريخ مليء بالتحذيرات من رفض فكرة أن الدولار الأمريكي قد يستبدل يوماً ما. ولكن يبدو أنه لا داعي للقلق كثيراً بشأن هذا الأمر في الوقت الحالي.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية