أكدت مصادر وتقارير موثوقة انتشار تجارة الآثار اليمنية الأصلية والمزورة في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، لبيعها في المزادات العالمية، ما يمكّن الحوثيين من الحصول على ملايين الدولارات لإثراء قادتهم وتمويل العمليات العسكرية وتدمير التراث الثقافي للبلاد.
وكشف التقرير السنوي لـ "الهيئة العامة للآثار والمتاحف" بصنعاء لعام 2024 عن تسجيل 26 عملية نبش وتخريب وعبث في مواقع أثرية وغير أثرية في مختلف محافظات البلاد.
وشملت بلاغات النبش والتخريب محافظات ذمار وإب والجوف والمحويت وصنعاء والحديدة وصعدة وتعز.
وأكد فريق الأمم المتحدة المعني باليمن (لجنة العقوبات) أن الحوثيين يمولون أنشطتهم العسكرية من خلال تهريب الممتلكات الثقافية والاتجار بها.
وأشار الفريق في تقرير قدّمه إلى مجلس الأمن الدولي في أكتوبر الماضي إلى أن مصادر مختلفة أبلغته أن الحوثيين منغمسون في تهريب القطع الأثرية والتحف التي تشكّل جزءاً من التراث الثقافي لليمن والاتجار بها وبيعها في الخارج.
وأكد التقرير أن الجمارك اليمنية ضبطت في 26 أكتوبر 2023 كتاباً أثرياً يحتوي على 19 صفحة مصنوعة من الجلد كتب عليها بماء الذهب باللغة العبرية.
وتشير تقديرات إلى أن عدد القطع الأثرية التي تم السطو عليها وتهريبها إلى خارج اليمن خلال السنوات الماضية بلغ أكثر من 13 ألف قطعة أثرية، منها نحو 8 آلاف قطعة تهم نهبها وتهريبها إلى خارج البلد، خلال فترة الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية الموالية لإيران أواخر مارس عام 2015.
وكشفت تقارير أن نحو 4265 قطعة أثرية يمنية تم بيعها خلال 16 مزادًا عالميًا أمريكيًا وأوروبيًا، احتضنتها أشهر قاعات المزادات العالمية للآثار في 6 دول غربية، حتى عام 2022.
وخلال سنوات الحرب بلغ عدد الآثار اليمنية التي تم بيعها في المزادات العالمية 2610 قطع، منها 2167 قطعة في الولايات المتحدة، تجاوزت قيمتها 12 مليون دولار، ولا تزال 1384 قطعة من الآثار اليمنية المهربة والمسروقة، تعرض في 7 متاحف عالمية، بينها تماثيل وعملات معدنية ونقوش وحلي ذهبية.
وأظهر تقرير رسمي نشر أخيراً في صنعاء أن 31 قطعة أثرية يمنية مهربة معروضة للبيع في المزادات العالمية، بينها تماثيل ونقوش ومخطوطات عبرية، في ظل استمرار تهريب الآثار وبيعها والتنقيب غير المشروع عن الآثار في العديد من المواقع في محافظات عدّة بسبب حالة الفوضى والانفلات الأمني واستمرار الصراع في اليمن.
آثار مزورة
وفي مطلع ديسمبر 2024 تم الترويج لخمس قطع أثرية مزورة تشمل تمثال مصنوع من الرخام يقف على قاعدة مكعّبة منقوش عليها بالخط المسند، وتمثال لحصان يمتطيه فارس مصنوع من النحاس الأحمر المتأكسد، وأعواد من سعف النخل منقوش عليها بالخط الزبور، ووجه آدمي واضح الملامح مصنوع من الرخام، ولوحة من الحجر الجيري لامرأة واضحة الملامح في حركة استعراضية كتب عليها بالخط المسند.
وفي نفس الشهر تم الترويج لعملات يمنية قديمة مزورة، والزعم بأن تاريخها يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وإلى عهد التبّع الحميري أسعد الكامل، وبأنها عملة مملكة حمير وعلى أحد جهتيها منقوش الخنجر اليماني.
ويعرّف الباحثون تزوير وتزييف الآثار بأنه يعني نسخاً للتحف الأثرية بغرض الغشّ والخداع، وإعطاء قيمة ثقافية وفنية ومادية لشيء غير أصيل، أي إيهام الغير بأن هذا العمل المزور هو الأثر الأصلي بنية الاحتيال والانتفاع من وراء ذلك بغير حق.
وقد يعني التزييف تغيير بعض معالم الأثر لغرض ما، كالتقليل من قيمته، أو لرفع قيمته، أو لتغيير حقائق تاريخية، أو غيرها.
ويعدّ تزوير الآثار جزءاً من التجارة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية، وجريمة تضر بالتراث الثقافي وتخدع المشتري والجمهور حول أصالة القطع الأثرية وفهم التاريخ.
وأشارت دراسة أجرتها "المجلة الدولية للدراسات الثقافية" إلى أن تزوير الآثار يضلّل المؤرخين وعلماء الآثار ويؤدي إلى سوء فهم التاريخ.
وتمنع القطع المزورة الباحثين من الوصول إلى حقائق دقيقة حول الحضارات القديمة وتشكّك في صحة المكتشفات الأثرية التي يعتمدون عليها، ما يؤدي إلى بناء فرضيات تاريخية غير صحيحة.
ووفقًا لدراسات يقدّر حجم السوق السوداء للآثار المزوّرة بمليارات الدولارات.
ويواجه اليمن تحديات كبيرة في مجال حماية الآثار، حيث يشير الواقع إلى وجود قصور كبير وثغرات متعدّدة في قانون الآثار الحالي.
وفي ظل التطورات التكنولوجية السريعة، أصبح بإمكان بعض الأفراد استخدام وسائل وأدوات حديثة للتزوير وانتاج قطع مقلّدة أو مفبركة، ما يهدد تراث البلاد الثقافي والتاريخي. وتعرّضه للخطر.
ويعزى تزايد عمليات التهريب والتزوير إلى الارتفاع الكبير في الطلب على اقتناء التحف، سواءً على الصعيد المحلي أو الإقليمي، ولأسباب مختلفة منها افتتاح متاحف جديدة في بعض البلدان تسعى جاهدة لاقتناء كل ما يصل إليها، دون تقييم دقيق لجودة القطع وحقيقتها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك انتشار ملحوظ للمراكز والمتاحف الخاصة التي تفتقر إلى الخبرة الكافية لتمييز الأصيل من المقلّد. كما ساهم هذا الجهل في معرفة أصالة التحف في تنشيط مزادات الاتجار بالآثار في الخارج، ما يزيد من تفاقم المشكلة.