في مثل هذا اليوم، الثالث من يونيو، يستذكر اليمنيون واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية التي هزّت البلاد والمنطقة، حين استُهدف رئيس الجمهورية الأسبق علي عبدالله صالح، وعدد من كبار قيادات الدولة السياسية والعسكرية، في تفجير غادر استهدف مسجد دار الرئاسة بالعاصمة صنعاء، وأسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى.
وبعد مرور 14 عاماً على هذه الجريمة، ما تزال تُعد واحدة من أفظع الجرائم السياسية في العصر الحديث، ليس فقط بسبب بشاعة التنفيذ، بل أيضاً لتوقيتها الحساس وموقعها، وما كان يمكن أن تخلّفه من فراغ دستوري مدمر، كانت الجماعات المتشددة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ومليشيا الحوثي، تسعى لاستغلاله لفرض مشاريعها بالقوة، في ظل عجزها عن كسب القبول الشعبي.
وفي هذا السياق، يؤكد ناجي علي بابكر، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي "حشد"، أن اليمنيين باتوا أكثر وعياً بحجم المؤامرة التي استهدفت دولتهم ونظامهم الجمهوري، خاصة بعدما ذاقوه من فوضى وانفلات ونهب للحقوق والحريات، وسط تحوّل الولاءات المحلية إلى أدوات بيد قوى إقليمية ودولية باتت تُدير المشهد اليمني بأبعاده السياسية والاقتصادية والديموغرافية، وحتى الدينية، في واحدة من أحلك الفترات التي مرت على اليمن والمنطقة.
وأشار بابكر، في تصريح لوكالة "خبر"، إلى أن التخطيط والتمويل لتنفيذ الجريمة جاء بدعم من أجهزة استخبارات وأنظمة دولية، فيما تكفّلت قوى سياسية وعسكرية محلية بالتنفيذ، وهي ذات القوى التي تتعارض مشاريعها مع النظام الجمهوري، ومع مبادئ التعددية السياسية وحرية الصحافة والتعبير، التي أرساها النظام خلال سنوات ما قبل الأزمة.
ويرى محللون وسياسيون يمنيون أن التفجير لم يكن سوى حلقة ضمن مشروع طويل لتقويض الدولة، وخلق فراغ دستوري يخدم قوى طائفية ومناطقية تسعى إلى تمزيق البلاد، وتحويلها إلى كانتونات مسلحة متنازعة، وتعطيل كامل للعملية الديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، التي توقفت منذ ما يزيد على عقد.
ويشير هؤلاء إلى أن آخر انتخابات رئاسية جرت في اليمن كانت في 21 فبراير 2012، وأسفرت عن انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً، خلفاً لعلي عبدالله صالح الذي تنازل عن السلطة سلمياً، في إطار تسوية سياسية هدفت إلى إنقاذ البلاد من الانهيار، على أن يتم لاحقاً استكمال المسار الانتخابي والدستوري، كما كان الحال في الفترات السابقة.
لقد شكّلت تلك الانتخابات، بشهادة منظمات دولية، محطة فارقة في تجربة اليمن الديمقراطية، التي قادها حزب المؤتمر الشعبي العام ورئيسه علي عبدالله صالح، وسعت لترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتطوير العملية الانتخابية بما يلبّي تطلعات الشعب شمالاً وجنوباً، بعد سنوات من النضال ضد الاستعمار والأنظمة الرجعية.
ومنحت التجربة المواطن اليمني الحق في اختيار ممثليه بحرية، بعيداً عن هيمنة الحزب الواحد أو الجماعة، مما عزز التنافس السياسي ورفع مستوى الوعي المجتمعي، ودفع عدداً من الأحزاب إلى مراجعة بنيتها الداخلية لمواكبة هذا التحوّل.
لكن في المقابل، اصطدمت هذه التجربة برفض القوى المتطرفة والطائفية التي رأت فيها تهديداً مباشراً لمشاريعها الضيقة، فلجأت إلى العنف والتآمر وتقويض أسس الدولة الجمهورية.
واليوم، بعد 14 عاماً من الجريمة، يعيش اليمن مشهداً ممزقاً، كما أراد منفذو التفجير، لكن جذوة الوعي الشعبي لم تنطفئ، رغم المعاناة والقمع والتجويع، ولا يزال اليمنيون يقاومون مشاريع التمزق والتبعية.
ويؤكد التاريخ، كما تُؤكده العدالة، أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن المؤامرات مهما امتدت، لا تقي المجرمين من لحظة الحساب. فالشعوب الحرة لا تموت، وتبقى الحقيقة، مهما طال الزمن، أقوى من كل محاولات الطمس والتزييف... واليمن ليس استثناء.