"ما جرى للصحفي محمد المياحي لا يُعد محاكمة، بل عملية قمع ممنهجة تستهدف الكلمة الحرة والرأي الحر، وهو ما يقتضي وقوف كل الأحرار والحقوقيين والوطنيين في وجه هذا الانحدار السافر في استخدام القضاء كأداة للقمع السياسي.".. هذا ما صرح به من صنعاء القاضي عبدالوهاب قطران الذي كشف أن الحكم وإجراءاته يمثل ذروة العبث والاستهتار بالقانون والمنطق القضائي.. حيث قضى الحكم بسجن الزميل الكاتب والصحفي محمد المياحي لمدة عام ونصف، وإلزامه بتقديم تعهد وضمان مستقبلي قدره خمسة ملايين ريال (لعدم الكتابة) مستقبلاً..!! وتساءل القاضي قطران في منشور له على منصة إكس ومثله كثير من المنتقدين: كيف يعاقب شخص ما على نية مفترضة في المستقبل.. وأين هذا من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات..؟!
بالنظر للموضوع عموماً فهو لا يخرج عن إطار السلوك الذي تتبعه مليشيا الحوثي الإجرامية عادة، والذي تقصد من خلاله إيصال رسائل التهديد والوعيد وغاية الاعتبار لكل من يظهر أو يضمر أو يعتزم معارضتها، وكل ما يهمها هو إيصال تلك الرسالة بغض النظر عن الوسيلة أو الكيفية، وتطبيق العقوبة على فرد كعينة لما تعزم فعله تجاه كل معارضيها وبالذات المقيمين بالداخل وفي مناطق تواجدها وسلطتها.. وإلا فما حاجتها، وإدراكا منها أن أي رد فعل لن يتجاوز النشر والتداول لبضعة أيام في مواقع التواصل ثم الانطفاء، وذلك كلفة بسيطة أمام ما تحققه من غاية متمثلة في إسكات وقمع كل من تسول له نفسه انتقادها..
وعودا على منطوق الحكم ومضمونه كما يرى محامون ومختصون، ففيه من الملاحظات ما يتكفل بإبطاله نعم.. ولكن قبل ذلك لا بد من الإشارة بوضوح، وقبل الدخول في المضمون إلى أن إجراءات القبض على الزميل وإيداعه السجن ثم تفاصيل وإجراءات المحاكمة لا تمت للقانون ولا للواقع بصلة من أي نوع.. وذلك ابتداء من الاختصاص المكاني والنوعي فقد أسندت قضية المياحي إلى ما يسمى بالمحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء، وهي محكمة أنشأتها الجماعة الانقلابية خارج الهرم أو النظام القضائي المتعارف عليه والقائم على أطر قضائية وقانونية عامة.. محكمة تستخدمها المليشيا للنيل من خصومها، مع أن الواجب أن تذهب مثل هذه القضايا المرتبطة بالرأي العام إلى النيابة والمحكمة المختصتين بقضايا الرأي والموجودتين في النظام القضائي اليمني..!!
وقبل أن نذهب بعيداً للحديث عما يسمى قمع حرية الصحافة والتعبير، كما فعلت نقابة الصحفيين في بيان صدر لها تعليقا على الحكم، ضمن أدوارها في الدفاع عن الصحفيين، فعلينا وعليها، أي النقابة، أن نتوقف عند طريقة المحاكمة وكيفيات وإجراءات حدوثها، فالحديث مباشرة عن فحوى وموضوع المحاكمة في حد ذاته، دون النظر إلى الإجراءات وكيفياتها، هو في حد ذاته قبول مضمر بصحة وسلامة تلك الإجراءات، مع أن فساد ولا قانونية الإجراءات كاف لإبطال هذه المحاكمة من أساسها.. وهو ما يجب التركيز عليه وعلى تداوله وتدويله أيضا، وإيصاله إلى كل جهة اختصاص على مستوى العالم، ليصبح الأمر قضية رأي عالمي، وليس مجرد موضوع كيد ومكايدة بين طرفين مختصمين لا يتعدى المساحة الفاصلة بينهما..!!